يمكن تعريف التواصل الأسري بكونه الاتصال الذي يكون بين طرفين (الزوجين) أو عدة أطراف (الوالدين والأبناء) والذي يتخذ عدة أشكال تواصلية، كالحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والتوافق والاتفاق والتعاون والتوجيه والمساعدة.
ويعني التواصل في أبهى صوره ذلك التوحد بين الأفراد والتفاعل حتى يصبحوا أصحاب لغة واحدة ومفاهيم موحدة، أو على الأقل مفاهيم متقاربة.
وللتواصل أساليب وآليات تساعد على تحقيقه داخل الأسرة المسلمة، وبدونها يغيب هذا التواصل بين أفرادها لعدة أسباب تربوية واجتماعية ونفسية. فما هي المعوقات التي تعرقل سير عملية التواصل أو تكون سببا في انعدامها بالمرة، وما هي نتائج غياب التواصل الأسري على الزوجين وعلى الأبناء أيضا؟، ثم كيف يمكن لنا أن نصل إلى تحقيق تواصل كاف ليكون رافدا من روافد السعادة في بيوتنا؟..
لنتابع التحقيق التالي:
مشاكل "تواصلية"
لم يكن سعيد يعلم أنه بمراكمته للمشاكل الزوجية بينه وبين شريكة حياته سيفضي به يوما إلى حالة من اللا توافق التام بينهما، ليعرضا أولادهما الثلاثة لخطر التشرد.
كانت مشكلة هذا الزوج أنه لا يتحدث في المشاكل التي تحدث مع زوجته، بل يولجها في لا شعوره الداخلي ويبني عليها أحكاما وأوهاما وقرارات دون أن يُشرك زوجته في كل ذلك..وتمر الأيام لينعدم التواصل بشكل مؤثر بينهما، وفي كل مشكلة صارت تعترضهما، كان سعيد يستعيد كل ما مضى ليفرغ جعبته التي تحمل الكثير ويبقيها أمام زوجته، فصارت مشاكلهما مثل كرة الثلج التي تكون صغيرة ومع مرور الأيام وتدحرجها في الجبل تكبر وتكبر إلى أن تتضخم ولا يستطيع أحد إيقافها.
أما محمد فقد ترك لكثير من الأطراف الأخرى خارج أسرته إمكانية التدخل في ما يعترضه من مشاكل مع زوجته أو في شؤون تربيته لأبنائه، وصار لأسرة الزوجة خاصة أمها كل الحرية للتصرف في أمور خاصة بعيدة عنها، ولم يكن محمد ليجأ على الرفض بسبب ضعف شخصيته ثم بسبب قوة شخصية حماته، ففضل الزوج الصمت وغاب بذلك التواصل بينه وبين زوجته وبينه وبين أبنائه وبناته،
فكانت تربيتهم تتم بواسطة آلة التحكم عن بعد "الريموت كنترول" من طرف أسرة الزوجة.. وأضحت الأسرة على شفا حفرة من التشرذم والفراق بسبب عدم تحكيم آليات التواصل الجيدة منذ البدء، بدء تأسيس الأسرة..
ويحدث لأزواج آخرين أنهم لا يتحدثون مع أبنائهم إلا لماما، وغالبا ما يكون الكلام تقريعا أو تأنيبا أو أوامر، مما يجعل الأجواء الأسرية متوترة ومشحونة، قد يكفي تصرف صغير ليفجر الوضع داخل الأسرة بسبب الجهل الكامل بفوائد التواصل ومزاياه وعدم إدراك أهمية الحوار بين الوالدين وأبنائهم..
دور الأسرة
الأسرة كوسط اجتماعي يتفاعل فيه ما هو نفسي عاطفي بما هو معرفي تربوي، كانت وما تزال تحتل مكان الصدارة في مجال تلقين أسس الحياة وترسيخ مبادئ التفاعل وتعليم قواعد التواصل والحوار. فهي التي تُؤَمّنُ للطفل تفتقه الشخصي وتفتحه النفسي وتكيفه الاجتماعي عبر إشباع رغباته البيولوجية والعاطفية والاجتماعية والثقافية. وفي كنفها يتعلم الطفل قواعد الحوار وآداب التواصل، وفي ظلها يدرك حريته وحدوده ويميز بين حقوقه وواجباته...إلخ.
أي خلل أو تَهَوُّر في أداء هذا الدور يكون مآله بدون أدنى شك الخصام والصدام والجفاء بدل التفاهم والتوادد والتكامل بين الوالدين ثم الضياع والتشرد والانحراف بدل النجاح والتكيف والاندماج بالنسبة للأبناء.
واقع التواصل في الأسر العربية
فكرتين أساسيتين لفهم المشهد الحقيقي لواقع التواصل الإنساني كما يمارس في ظل الأوساط الأسرية العربية بالخصوص:
قوام أولاهما هي أن الأسرة عندنا ما تزال في الغالب غير مؤهلة لتقوم بهذا الدور التواصلي الذي يتجه بالمحيط الأسري، آباء وأبناء، إلى مصاف التفاعل الإنساني الحميمي المحكوم بمظاهر التفاهم والتكامل والمُؤَطَّر بأساليب التواصل الإيجابي والحوار البناء، وذلك لأسباب عديدة وفي مقدمتها:
- جهلها شبه التام لأساليب التواصل وأهميتها في تلقين الطفل مبادئ الحوار وآداب التعامل. فمعارفها حول سيكولوجية كفاءات الطفل التواصلية عادة ما تكون جد متواضعة. وأساليبها التربوية والتواصلية ما تزال مجرد مواقف مزاجية متذبذبة
وسلوكيات عشوائية متأرجحة وممارسات اعتباطية متناقضة، تحكمها في الغالب مظاهر المراوحة بين التسلط والتساهل أو بين النبذ والحماية المفرطة.
- افتقارها إلى مرجعية سيكولوجية ، وبالخصوص سيكولوجية الطفل التي تشكل الركيزة القوية لكل تربية أسرية صحيحة، وبالتالي ضعفها أو فشلها التام على مستوى أداء دورها التواصلي المطلوب في مجال تنشئة الطفل ورعايته.
* ومفاد ثانيتهما هي أنه صار من المألوف عندنا تحميل الأسرة جميع مظاهر التفكك والانحراف والضياع التي عادة ما تتضرر منها أطرافها الأساسية وبالخصوص الأب والأم والأبناء. فهي في نظر الكثيرين تشكل مصدر كل أنواع المشاكل والنواقص وكل أشكال الانحرافات والاضطرابات التي تصيب أو تحل بهؤلاء. في حين أنه نادرا ما يقال بأن السبب الرئيسي لكل هذه القلاقل لا يكمن بالضرورة في الأسرة، بل يعود إلى ظروف الفقر والعوز المادي والجهل والأمية والفاقة الثقافية...إلخ التي تحيط بهذه الأخيرة وتخترقها يوميا بدون أدنى مقاومة.
أسباب غياب التواصل بين الزوجين
الأسباب التربوية التي تعوق عملية التواصل بين الزوجين غياب التربية على التواصل وقيم الحوار بين الجنسين في مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأساسية للمجتمع ( خاصة الأسرة، المدرسة..) وإلى سيادة بعض القيم والتمثلات التربوية السلبية التي تفرق وتميز بين الجنسين. الأسباب الاجتماعية التي تعوق التواصل بين الزوجين، ومنها:
ـ خضوع الزوجين للضغوطات وللتبعية السلبية لأسرتيهما، حيث يتدخل أكثر من طرف في الشؤون الداخلية للأسرة، وتصبح أسرة الزوجين هي المحاور بدل التواصل المباشر بين الزوجين في أمورهما الخاصة وأمور أسرتهما.
ـ ضغوطات مسؤوليات وضروريات الأسرة، وخصوصا لدى الزوجين المنتمين اجتماعيا إلى الفئات الفقيرة والهشة ثقافيا،حيث يطغى العنف واللامبالاة في العلاقة مع الطرف الآخر.
ـ التنشئة الاجتماعية السلبية التي خضع لها الزوجين، والتي تكرس القيم والعلاقات الاجتماعية التي تشجع على ثقافة التواصل مع الآخر، و على الروح الجماعية في تدبير الحياة الجماعية المشتركة، و على التشبع بأخلاقيات التواصل الإيجابي والفعال مع الآخر(مثلا الأخلاقيات الدينية للحياة الزوجية).
عوامل غياب التواصل بين الوالدين والأبناء
أما العوامل التي تفضي إلى غياب التواصل بين الوالدين والأبناء فهي كثيرة نذكر منها ثلاثة أسباب رئيسة هي:
ـ عدم تربية وتعود الوالدين على قيم وثقافة التواصل، فيعيدا إنتاج ذلك مع أبنائهما.
ـ سيادة تمثلات وقيم سلبية تجاه الأطفال من طرف الراشدين (الزوجين)، كضرورة انصياع الأبناء لرغبات وقرارات الوالدين دون مناقشتهما في ذلك ( نموذج الابن "المرضي")، وكون الأبناء صغيري السن (وقد يظلون كذلك حتى إن كبروا) وبالتالي فهم غير مؤهلين عقليا لكي نتحاور ونناقش معهم بعض الأمور، وكون الأطفال عامة مشاغبين وعنيدين ليس أمامنا سوى إخضاعهم وتربيتهم بصرامة، ولا مجال للتحاور معهم والخضوع لرغباتهم وأرائهم.
ـ ضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة للولدين، قد تجعلهما يهملان تتبع وتربية أبنائهما، وبالتالي ينعدم التواصل مع الأبناء في القضايا والحاجيات والمشاكل(التربوية والنفسية والاجتماعية...) التي تهم الأسرة ككل، أو تلك التي تهم الأبناء...
التواصل بين التوهج والضعف
الكثير من حاجات أفراد الأسرة تتحقق من خلال ما يسود بينها من تواصل شامل وعميق يجمع بين القول والفعل والشعور ويتدخل فيه الروح والجسم، فيتقوى كل طرف منهما بالطرف الآخر ويتبادل معه التأثير، مضيفا أنه ثمة وحشة في النفس البشرية لا يزيلها إلا الانغماس في أجواء الأسرة واستمرار التواصل بين أعضائها.فعندما يغيب الفرد عن الأسرة يرتفع شوقه إليها وتشتاق إليه إلى درجة افتقاد القدرة على احتمال معاناة الغربة والفراق، لكن هذا يحصل على قدر بلوغ التواصل مستوى جيد من القوة والسواء.
العلاقة الزوجية باعتبارها تمثل صورة للتواصل الجسمي والقولي والقلبي والفكري وتتأثر هذه العلاقة بكل تراجع يطرأ على أي تواصل من هذه الأنواع التي لا ينفك أحدها عن باقيها.
هذه الأنواع ليست كلها على مستوى واحد في كل وقت ومرحلة وإنما تنتابها حالات من الضعف والوهن فتكون لذلك انعكاسات مباشرة على التواصلات الأخرى، وأخطرها التواصل القلبي الذي قد ينشط أي تواصل آخر أو قد يعرقله ويجعله يتدنى إلى أسفل. لهذا أعطى الإسلام ما هو قلبي فكري واعتقادي الأولوية على غيره من الجوانب الأخرى ففي القرآن الكريم:"
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21) وفي الحديث النبوي:" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (الشيخان) وأيضا:" لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (مسلم)، فعندما يكون الارتباط القلبي قويا ومؤسسا على وشيجة العقيدة الإيمانية والصلاح الاعتقادي والتعبدي والأخلاقي، فإنه يقلل من قيمة أي نقص يوجد في الجوانب الأخرى..فالزوجان مسؤولان عن تحسين ودوام التواصل بينهما حتى يتمكنا من تعرف كل منهما على مشاعر ومطالب ومعاناة صاحبه، فيتحرك على عجل
للتجاوب معها بما يخفف من ضغطها ويحد من آثارها، قبل استحكام الخلاف وانقطاع التواصل الأمر الذي من نتائجه أن يفتح الباب على كثير من التوتر والجفاء والتنافر.
تعطل التواصل..الواقع والعواقب
هناك خطا شائع في الاسرة يكمن في توجيه كل طرف الاتهام إلى الطرف الآخر على أنه هو المسئول عن تعطيل التواصل وترديه، والبلسم الشافي لا يكون إلا باتهام كل طرف لنفسه عما يطرأ في الحياة الزوجية من فتور أو سوء تفاهم، وتقديم ما يلزم من التضحيات والتنازلات لاستمرار التواصل واستئنافه فور توقفه دون أي تراخ قد يحيله واقعا يشق تجاوزه.
كلما تراجع التواصل بين الزوجين تقدم سوء الظن ليأخذ مكانه والعمل على إيقاف التفاهم تماما أو تدهوره في اتجاه تقويض العلاقة الزوجية انطلاقا من مشاكل بسيطة كان التواصل الطبيعي كفيلا بإرجاعها إلى حجمها الحقيقي، وعدم السماح لها بأن تنمو نموا سرطانيا قاتلا للتفاهم والوئام ومدمرا لكيان الحياة الزوجية.
أما بخصوص التواصل بين الآباء والأبناء فهناك، أوضاع راهنة في هذا العصر داخل الأسر قد تعيق التواصل وتحرم الأفراد من دفئه ومزاياه وعطاءاته النفسية والتربوية، منها سوء التعامل مع جهاز التلفزة الذي يستحوذ على وقت اجتماع الأسرة الشحيح، ويوجه اهتمامها إلى برامجه الجذابة، مانعا ومعرقلا للتواصل بين الآباء والأبناء.
انشغال الآباء طيلة اليوم بأعمالهم والتحاقهم بالمنزل في وقت متأخر من الليل وقد أضناهم التعب ومعاناة المواصلات، بحيث قد لايجد الوالدان في نفسيهما الاستعداد لسؤال الأبناء عن أحوالهم والانبساط إليهم في القول وولوج عالمهم الخاص بهم، مما يجعل بعض المشاكل الطارئة لدى الأبناء تنمو
ويشتد خطرها في غياب وعي الآباء بها نتيجة ضعف التواصل الأسري أو غيابه في فترات جد حرجة من حياة الأطفال والشباب.ويكون من نتائج ذلك لجوء الأبناء لتعويض التواصل الأسري المفقود بتواصل مع زملائهم في المدرسة أو أبناء الجيران، فيصبح لهم التأثير المباشر في تشكيل تصوراتهم وأخلاقهم على نحو قد يتعارض تماما والتنشئة السوية ولا يرضي الوالدين إطلاقا، فقد يصبحون عازفين عن الدرس والتحصيل، أو مدمنين على المخدرات أو متعاطين لبعض الجرائم والفواحش والعادات المفسدة للأمزجة والأبدان. ومن جهة أخرى فإن ضعف التواصل بين الأولاد والوالدين يفقد العلاقة الرحمية بينهما متانتها ومهابتها في نفوس الأبناء، فينعكس ذلك إلى عقوقهم للوالدين واتخاذهم وجهة معاكسة لما يتمناه الآباء، مما يؤشر بقوة على فشل ذريع للتربية الأسرية.
أن تدبير شؤون الأسرة أكبر من أن يتولاه أحد الأبوين، بل يقتضي تشاورا دائما وحوارا مستمرا من خلال جلسات للأسرة تناقش شؤون الأسرة مهما بدت بسيطة لتكريس الحوار في نفوس الأبناء سلوكا.
ويرى سنكي أن غياب الحوار والتفاهم بين الأبوين قد يؤدي إلى اعتماد مقاربات متناقضة في تربية البناء، كأن يلجأ أحدهما لأسلوب اللين، بينما يعتمد الآخر أسلوب الحزم، فيظهر الأبوان أمام الأبناء متناقضين فيتنازعان ويختصمان ـ وأحيانا بحضور الأبناء ـ وتضيع رمزيتهما التربوية.
وإذا كان الحوار بين الزوجين ضروريا وملحا، فإنه بين الآباء وبين الأبناء أكثر إلحاحا، لأنه يؤسس للثقة بينهما، ويساعد على تداول كل القضايا ـ مهما كانت حساسة ـ تبادلا للرأي أو بحثا عن حلول لما يستجد في حياة الأبناء، عوض أن يتكتم الأبناء ـ لا سيما البنات ـ عن همومهم، فتتفاقم وتتطور إلى حالات انحراف وخيمة العواقب.
ويضيف سنكي بالقول: إن إقامة حواجز بين الآباء والأبناء ـ باسم الحياء والوقار ـ خطأ تربوي فادح يحرم الأبناء من تجارب آبائهم في الحياة وتوجيهاتهم، مثلما يفوت على الآباء فرصة تتبع أبنائهم ومساعدتهم تذليلا لما قد يعترضهم من صعاب، وما أروع التوجيه النبوي لما دعا الآباء ليتآخوا ـ يتخـذونهم إخوة ـ مع أبنائهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم:"...وآخيه سبعا.".
وسائل إرساء التواصل الأسري
ومن أجل عدم الوقوع في كل هذه المشاكل التواصلية والأسرية والتربوية بسبب انعدام التواصل أو ضعفه بين الزوجين أو بين الوالدين مع أبنائهم، يجب نهج سبل تأسيس تواصل قوي وصادق.
ويبرز الدكتور محمد بولوز الباحث في الشؤون الشرعية والتربوية في حديث لموقع "المسلم" أن الحديث عن وسائل التواصل الأسري يفترض تحقق الرغبة الصادقة في ذلك، واستشعار أهمية الأمر من جهة سده لحاجات حقيقية لجميع أفراد الأسرة، وبكونه يدخل في التنشئة السليمة للأطفال، وترسيخ دعائم المودة والرحمة والسكينة بين الزوجين، مضيفا أنه بقدر رسوخ الوعي بأهمية التواصل وفوائده التربوية والاجتماعية، بقدر ما ينبغي التفنن في إبداع الوسائل الموصلة إلى ذلك بل وتعلمها والاستفادة من تجارب الآخرين فيها.
ويحدد بولوز الخطوات الأولى لإرساء تواصل أسري من بينها: الحرص على حسن العشرة بالمعروف وكف الأذى حتى يشعر الجميع بالفائدة الملموسة للتواصل وبأنه لن يكون مناسبة للتقريع واللوم وكثرة الشكوى وغيرها من منغصات التواصل، والحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، فيؤدي الآباء ما وجب عليهم تجاه الأبناء، ويبذل الأبناء ما فرض عليهم من واجبات الإحسان وتؤدي الزوجة حق زوجها والزوج حق زوجته ..
ويسترسل بولوز مبينا بعض وسائل التواصل الأخرى ومن بينها: العناية بإقامة الدين في الأسرة وصرح الأخلاق والحياة الجادة المنتجة لجميع أفرادها، فالتذكير بالصلوات الخمس تواصل، ومرافقة الأبناء إلى المسجد تواصل وبذل النصح في اللباس وعموم الآداب تواصل، وتحفيظ القرآن للأبناء تواصل، ومراجعة الدروس معهم تواصل، وتوريث الخبرات تواصل...
الكلمة الطيبة وعقد مجلس أسري
من آليات التواصل أيضا: بذل الجميع للجميع الكلمة الطيبة واختيار الألفاظ المناسبة وأدب التحية وإفشاء السلام وتزيين الوجه بالابتسامة واعتماد أسلوب الهدايا ولو كانت رمزية، واغتنام الفرص المناسبة للتقرب والتودد والتحبب كالأعياد والمشاركة في المسرات وكذا المشاركة الوجدانية في الأوقات العصيبة، وكذا الاجتهاد في تنويع وسائل إدخال السرور على نفسية الزوجة والأولاد بالخرجة والرحلة والجولة والاصطياف ومصاحبتهم لبعض التمارين الرياضية وتناول بعض الوجبات خارج البيت كلما يسر الله الظروف والأحوال. استثمار التباعد الذي قد يحدث بسبب سفر أو عمل بين أفراد الأسرة، بالرسالة أو الهاتف أو التواصل الالكتروني، فقد يوفق الإنسان للتعبير عن مشاعره أكثر مما يكون عند تقارب الأبدان..
كلما قدر أفراد الأسرة على عقد مجلس أسري كل أسبوع أو حتى كل شهر للتداول في شؤون الأسرة المادية والمعنوية ومسح صفحة القلوب بشيء من العتاب اليسير والتسامح والتغافر وبعض المواد التربوية الخفيفة كشرح آية أو حديث أو مقطع من السيرة النبوية الشريفة أو قراءة ثمن أو ربع من القرآن الكريم أو سرد قصة هادفة أو شيء من النكات البريئة الهادفة..، كل ذلك ومثله يعمق التواصل والترابط..".